منتدى اشرف نور

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى اشرف نور:باحث وخادم بمركز الانبا موسى


    تابع تأملات الآباء

    ashref
    ashref
    Admin


    المساهمات : 34
    تاريخ التسجيل : 14/02/2011

    تابع  تأملات الآباء Empty تابع تأملات الآباء

    مُساهمة  ashref الأربعاء فبراير 16, 2011 2:39 pm

    من تأملات الآباء
    فى مقابلته للمرأة السامرية:
    "أجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذى يقول لك أعطينى لأشرب لطلبـت أنت منه فأعطاك ماء حيـا" (يو 10:4).
    وعن الماء الحى مكتوب أيضـا: " وفى اليوم الأخير وقف يسوع ينادي قائلاً إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب. من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى. قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنون مزمعين أن يقبلوه. لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد " (يو 37:7-39).
    سوف ندرس ما قاله الآباء عن الروح القدس.

    مقدمة:
    الروح القدس هو الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس،فنحن نؤمن بالله الواحد المثلث الأقانيم: الله الآب. الله الإبن. الله الروح القدس
    1- أقوال القديس اثناسيوس الرسولى عن الروح القدس:
    عن لاهوت الروح القدس:
    + "ا لروح القدس واحد مع الإبن فى الجوهر والإبن واحد مـع الآب فى الجوهر.. إذن الروح القدس واحد مع الآب فى الجوهر ".
    + إننا نؤمن بالثالوث القدوس: الله الآب، الله الإبـن، الله الـروح القدس. وهو اله واحد متماثل غير قـابل للتجزئـة بطبيعتـه، ونشاطه واحد.
    + الآب يعمل كل شئ بالإبن فى الروح القدس.
    وهكذا ينادى بإله واحد فـى الكنيسة.. الذى على الكل ( كلى الأصل )، وبالكل ( كلى السبب )، وفى الكل ( كلى التنفيذ ).
    الكل المطلق، أى الله فى ذاته الكلية المطلقة:
    1- كآب : بداية، ينبوع. 2- بالكل : بالإبن.
    3- فى الكل : فى الروح القدس.
    عن وحدة عمل الثالوث وعدم إمكان تجزئته.. قال فى بشارة رئيس الملائكة جبرائيل للعذراء: " عندما افتقد الكلمة العذراء القديسة مريم،

    جاء إليها الكلمة ومعه الروح القدس، وصاغ الكلمة جسده وشـكله لذاته.. لذا أراد أن يوحد فيه كل البشرية إتحادا بالله ويحضرها إليـه بواسطة نفسه " (من رسالة إلى القديس سرابيون 1: 31).
    وفى موضوع قدرة الروح القدس لإعطاء الحياة.. قال: " إنه يدعـى الروح المحيى، وروح الحياة فى المسيح يسـوع، لأن منـه تنـال المخلوقات الحياة.. علما بأن الإبن هو نفسه الحيـاة ويدعـى فـى الإنجيل رئيس الحياة، فكيف يحسب الروح القدس ضمن المخلوقـات وهو الذى فيه تنال المخلوقات الحياة بواسطة الكلمة ".
    • أقوال القديس باسيليوس الكبير عن الروح القدس: الإعتقاد السليم هو أن الروح القدس لا يمكن فصله عـن الآب والإبـن فهو حاضر معهما فى:
    أولا: الخليقة العاقلة:
    فالقوات السمائية وجدت بـإرادة الآب، ونـالت كيانـها بـالإبن، أما تقديسها واستمرارها فى التقديس فهو بواسـطة حضـور الـروح القدس فيها.
    ثانياً: تدبير مجىء ربنا فى الجسد:
    فلقد صارت البشارة بالروح وصار الحمل بـالروح (لـو 1: 25)، وصارت المسحة بالروح (يو1 :33)، وكـان معه فى التجربة (مـت 4: 1)، وبه تمم كل أعماله (مت 28:12)، وبه قام من الأموات (رو 8: 11).

    ثالثا: وفى الدينونة:
    فالذين ختموا بالروح القدس ليوم الفـداء وحفظـوا حياتـهم نقيـة بلا عيب هم الذين سيسمعون الصوت القائل: " نعماً أيها العبد الصالح والأمين " (مت 25: 21).
    وأما الذين أحزنو الروح فسوف يشطرون، أى سوف ينفصل عنهم تماما الروح القدس (مت 24: 51).
    وعن ألقاب الروح القدس:
    هو يسمى الروح لأن الله روح، ويدعى أيضـا قـدوس لأن الآب قدوس والإبن قدوس، ويدعى أيضا الصالح لأن الآب صالح وما ينبثق من الآب صالح، ويدعى المستقيم لأن الله صـالح ومسـتقيم.. وروح الحق وروح البر وروح الحكمة، ويدعى أيضا الباراقليط.
    وعن أعماله:
    أن أعماله عظيمة وفائقة ولا يمكن أن نحصيها، إذ كيف نسـتطيع أن ندرك ما كان يعمله الروح قبل أن تنشأ الخليقة العاقلة، ومـا هـى النعم العظيمة التى أعطاها ويعطيها للخليقة، وما هـى قدرتـه التـى سوف يظهرها فى الحياة الآتية.
    3 - أقوال القديس كيرلس الإسكندرى عن الروح القدس:
    أ- فى تفسيره لإنجيل يوحنا قال فى الآيـة " أنا فى الآب والآب فى " (يو 14: 11). ( كما أن الإبن صدر من الآب بطريقة تعلو علـى

    الفهم ومع ذلك فالإبن باق فيه، هكذا أيضـا الروح القـدس فهو ينبثق بالحقيقة من الله كما هو بالطبيعة ومع ذلـك فـهو لا ينفصل عن جوهره بل بالحرى ينبثق منه ويظل باقياً أبديـاً فيه، ويعطى للقديسين بالمسيح، لأن كل الأشياء تأتى بـالإبن بواسطة الروح القدس).
    ب- وفى تفسيره قول السيد المسيح: " وأما متى جاء المعزى الروح القدس الذى يرسله الآب بإسمى فهو يعلمكم كل شـئ" (يو 26:14).. قال : " الإعلان الكامل للسر الإلهى هو بالروح القدس المرسل من الآب باسم الإبن. لأنه كما أن روحه هو المسيح فينا لذلك يقول يعلمكم كل شئ كما قلته لكم.. فحيث أنه روح المسيح وفكره كما هو مكتوب " (1كو 16:2)، لذلك فهو ليس شـيئا آخر سواه هو نفسه من جـهة وحدة الطبيعة، وهو يعرف كـل ما هو فيه لأن " أمور الله لايعرفها أحد إلا روح الله " (1كو 2: 11).
    فالروح لأنه يعرف ما هى مشورة الإبن الوحيد يخبرنا بكل شـئ.. وهو لا يأخذ هذه المعرفة بالتعليم، لكى لا يبدو أنه يشغل رتبة الخـادم الذى ينقل كلمات آخر، بل هو روحـه. وإذ يعـرف- دون تعلـم- كل ما يخص ذلك الذى هو منه، وهو كائن فيه، فإنه يعلـن الأسـرار الإلهية للقديسين.
    ج- وعن موضوع الكرمة والأغصان يقول القديـس كـيرلس: إن الروح القدس يجعلنا نثبت فى الكرمة- أى المسـيح- فـهى

    ( الكرمة ) كالأم المغذية لأغصانها، لأننا نولد منه وفيه بـالروح لنثمر ثمار الحياة. فكلمة الله الوحيد الجنس يمنح القديسين ميـلاً إلى طبيعته الخاصة وطبيعة الله الآب بإعطائهم الروح، وذلـك بإتحادهم به بالإيمان والقداسة الكاملة، وهو يغذيـهم بـالتقوى ويعمل فيهم لمعرفة كل فضيلة وكل الأعمال الصالحة. فـالآب يغذينا فى التقوى بالإبن فـى الروح.
    د- ويفرق القديس كيرلس بين إرسال الروح وانبثاقه، فيقـول: إن الإرسالية فعل زمنى بينما الإنبثاق فعل أزلى. فـالله الآب هـو مصدر إنبثاق الروح وأما إرسالية الروح القدس فهى مـن الله الإبن، كما قال القديس يوحنا فى إنجيله " ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى. وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معى من الإبتداء " (يو15 :27،26).
    هـ - وقال أيضا:
    + نعرف ثلاثة أقانيم ونؤمن بها ، الآب الـذى لا إبتـداء لـه، والإبن الوحيد، والروح القدس المنبثق من الآب وحده.
    + إن الروح القدس هو منبثق من الآب حسب قول المخلـص، لكنه ليس بغريب عن الإبن من حيث وحدة الجوهر.
    + نؤمن بالروح القدس كما نؤمن بالآب والإبن، لأنـه مسـاو لهما فى الجوهر وهو مندفق أى منبثق من ينبوع الله الآب.

    + كما أن الإبن من الآب من جـهة الولادة، هكذا الـروح مـن الآب من جـهة الإنبثاق، وحاشا من القول بخلاف ذلك.
    4-العلامة ديديموس مثله فى ذلك مثل كل آباء الكنيسه الجامعه، يكرز ويعلم عن الثالوث وعن وحدة جوهرالأقانيم الثلاثة.. قال : (كل من يتصل بالروح القـدس ففـى نفـس اللحظة هو يتقابل مع الآب والإبن، وكل من يشترك فى مجـد الآب فإن هذا المجد هو فى الواقع ممنـوح لـه مـن الإبـن والروح القدس) (عن الروح القدس 17).
    وعن إنبثاق الروح قال: " الروح القدس ينبثق من للآب ويستقر إلهيا فـى الإبن" (فى الروح القدس 3:1) .
    ويقول أيضاً: فى جوهر الروح يمكن فهم كمال العطايـا، فمـن المستحيل لأى واحد أن يطلب نعمة الله إن لـم يكـن عنـده الـروح القدس الذى فيه يتضح أن كل العطايا متضمنة منـه. لذلـك واضـح أن الروح القدس هو نبع كل العطايا وليست عطية تُمنح بدونـه، لأن كل الفوائد التى ننالها من وراء غنى مواهب الله إنما هى مـن هـذا الينبوع الرئيسى.
    وعن عمل الروح القدس فى الإنسان، قال:
    + هو المقدس والمحيى، نور السماء المنتشـر، الحـافظ الكـل، الساهر على ثبات قوامه، المجدد والمحرر.. كمثل الرب وإبـن الله الذى صنعنا، فهو روح التبنى.

    + يطير بنا إلى أبواب السماء، ويقتادنا فـى مداخـل الخلاص، هو النعمة المالئة كل الأشياء الخاويـة والضعيفـة والعـابرة، ينبوع المواهب الذى لا يفرغ ومنطلق كل فكر صالح، يكشـف حقا المزمعات، ختم الخلاص والموهبـة الإلهيـة، عربـون الخيرات الأبدية.
    + منه كل خليقة، ما يرى وما لايرى، عاقلة وغـير عاقلـة هـو يقيمها، الذى منه يصير لنا التجديد الإلهى ومغفرة الأثام وسـتر الخطايا والنزوع نحو الله
    + إكليل الأبرار وحافظ الأخيـار. المسـكن السـماوى، الحيـاة التى لا تنتهى وميراث ملكوت الله الأبـدى الـذى كـل مـن يشترك فيه، بتجديد الشركة، يبلغ التذكارات الصالحة وشـركة الطبيعة الإلهية.
    5-تعاليم القديس كيرلس الأورشليمى عن الروح القدس:
    الإبن والروح القدس وحدهما يقدران أن يريا الآب كما ينبغـى أن يرى، إذ هما يشتركان فى لاهوت الآب.
    ويتكلم القديس كيرلس الأورشليمى عن الروح القدس وينظر إليـه بنفس الطريقة التى ينظر بها إلى الآب والإبن من حيـث أن هـؤلاء الثلاثة يشتركون فى نفس مجد اللاهوت الواحد.

    + الروح القدس (شريك الأزلية) مع الآب والإبن وعمله من أجـل خلاصنا مشترك مع الاقنومين الآخرين. الإبن يعلم الآب مـع الروح ومن خلال الروح.
    + والروح القدس هو روح الوحى والإسـتنارة، إنـه المقـدس، الفريد، والصالح، والمغيث، معلم الكنيسة، روح النعمـة الـذى يضع علامته على النفس بما يفيد أنها ملكه وهو الذى يعطـى التقديس للكل.
    + الروح واحد وهو لا ينقسم بتعدد مواهبه. إنـه ليـس كـأن الآب يهب موهبة والإبن يهب موهبة أخرى والروح موهبـة ثالثة، لكن الخلاص والقوة والإيمان هى مشتركة للكل وكرامة الأقانيم واحدة وغير منقسمة.
    + نحن نعلن إلهاً واحداً مع الروح القـدس مـن خـلال الإبـن، بلا اختلاط ولا انقسام. الآب يعطـى للإبـن والإبـن يعطـى للروح القدس.
    + ومن أجل خلاصنا يكفى أن نعرف أنـه يوجـد الآب والإبـن والروح القدس، ولم يكتب شئ آخر عن أى شئ آخر، وليـس لائقاً بنا أن نفحص ما هو وراء ما نجده فى الكتاب المقدس عن الجوهر والأقانيم.



    من تأملات الآباء
    ربنا يسوع المسيح هو النور الحقيقى الذى ينير العالم كله.
    سوف ندرس ما قاله الآباء عن ذلك: فى بدء الخليقة وفـى اليـوم الأول.." قال الله ليكن نور ورأى الله النور أنه حسن، وفصل الله بين النور والظلمة ودعا الله النور نهاراً والظلمة دعاها ليلاً. وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً " (تك1: 3-5).
    1-عن ذلك قال القديس أغسطينوس:
    إن هذا النور خاص بالمدينـة السمائية المقدسة التى تضم الملائكـة القديسين وفيها ينعم المؤمنون بالأبدية، وهذه التى قال عنها الرسـول أنها أورشليم العليا " وأما أورشليم العليا التى هى أمنا جميعا فهى حرة " (غل 26:4).. والتى يكون لنا فيها نصيب، إذ قيل " جميعكم أبناء نور وأبناء نهار. لسنا من ليل ولا ظلمة " (1تس 5:5).

    ويرى القديس أغسطينوس أن السـمائيين تمتعـوا بـالنور الـذى أنطلق فى اليوم الأول بمعاينتـهم أعمال الله العجيبـة خـلال كـل الحقبات، لكنه متى قورنت معرفتـهم للخليقـة بمعرفـة الله حسـبت معرفتهم مساء.
    وعن الفصل بين النور والظلمة قال القديس أغسـطينوس: النـور يشير إلى خلق السمائيين، أى الملائكة بطغماتـهم، أولاً.. وإن فصـل النور عن الظلمة يشير إلى سقوط جماعة مـن الملائكـة بالكبريـاء فصاروا ظلمة.
    وعن عبارة " رأي الله ذلك أنه حسن ".. قال القديس باسيليوس الكبير: ( الله لا يحكم بأن الشىء حسن خـلال إفتتان العين به ولا لتـذوق الفكر لجماله كما نفعل نحن، وإنما يراه حسنا متى كان الشىء كـاملاً مناسباً لعمله ونافعاً حتى النهاية ).
    2-وقال العلامة اوريجانوس :
    (المسيح هو نورالعالم الذى يضئ الكنيسة بنوره.. كمـا يسـتمد القمر نوره من الشمس فيضىء الظلام هكذا تستمد الكنيسة النور مـن المسيح لتضىء على الذين هم فى ظلمة الجهل).
    3-قال القديس مارآفرام السريانى فى شرح نفس العبارة:
    "قال الله ليكن نور فكان نور" إن قوله: " قال الله ليكن نور" أظـهر لنا كلمة الله التى هى إبنه المولود منه قبل كل الدهور، والـذى لـم

    يزل منه ومعه وفيه، الذى هـو يـده وذراعـه، الـذى بـه خلـق كل خلائقه.
    لأن يد الله ليست جزءاً أو عضواً مثل يدنا نحن، فـالله ليـس ذى جسد ولا أعضاء بل هو روح بسيطة لطيفة كما قال الرب يسوع فـى الإنجيل المقدس " لأن الله روح " (يو 4: 24).
    فلما كان الله ذاتاً كاملة كانت يده أيضا كاملة كذاتـه، وهـذه هـى كلمته. لأننا نحن إذا أردنا أن نعمل عملاً عملناه بيدنا لضعف كلمتنـا عن ذلك، ولكن الله يصنع كل شئ بكلمته لكون كلمته كـامل.. قـادر بذاته.. أقنوم تام كأقنومه فيما يصنع وكما يريد هو فقط.
    وهو للوقت يصنع ما يريد، وهو به متصل كإتصال يدنا بنا.
    وهو الذى اسماه يده وأسماه كلمته، لكى يوضح لنا أنه ليس كلمـة متلاشى لا أقنوم له ولا ذات موجود مثل كلامنا نحن بل له وجود ذاتى بغير زوال كوجود يدنا معنا.. لذلك قال داود النبى فى المزمـور 33 " إن بكلمة الله خلقت السماويات " (مز 33: 6). وفى المزمور 102 قال " إن السموات عمل يديك " (مز 102: 25).
    ويؤكد القديس مارآفرام إن المسيح هو النورالحقيقى الذى يضـئ لكل إنسان فى العالم.
    فلما ظهرت كلمة النور صار النور والنهار معروفين ومنفصليـن عن الظلمة والليل، لأن قبل ظهور المسيح كلمة الله بالجسـد كـانت

    ظلمة الشيطان بالخطيئة والمعصية موجودة فى جميع الأرض بغـير نور.. فلما تجسد المسيح كلمة الله النور المولـود مـن الآب بغـير إنفصال منه كالشعاع من الشمس، وأعطانا بالمعمودية الروح القـدس، أضاء لنا وحرك بنا مخافته وأشهر فى قلوبنا نور مواعيـده إشـهاراً حقيقياً، حتى صدقناه وحفظناه وحبيناه وحفظنا وصاياه.
    حفظناه لما تحققنا من عظم العقوبة الدائمة التى بـها يعـاقب مـن يعصى وصاياه. وحبيناه لعظم النعم والحياة والملك الدائم الـذى بـه ينعم على من يحفظ وصاياه.
    فبحفظ وصاياه هكذا صيرنا نوراً ونهاراً روحانياً حقيقياً..
    والذين لا يؤمن أن به والذين لا يحفظون وصاياه هم ظلمـة وليـل حقيقى روحانى.
    لأن التوراة لكونها ناموسا جسدانياً ففـى بدئـها الظلمـة والليـل الجسدانى والنور والنهار الجسدانى، والإنجيل المقدس لكونه ناموساً روحياً ذكر فى بدئه النـور والنـهار الروحـانى والظلمـة والليـل الروحانى.
    وكما ذكرت التوراة أن الله قد فرق بين النور والظلمة ودعا النـور بإسم والظلمة بإسم غيره. كذلك فرق المسيح إلهنا من خلال الإيمـان به وحفظ وصاياه بين بنى الظلمة وبنى النور وأسمى هـؤلاء بإسـم وهؤلاء بإسم غير أولئك لكى يعرف بعضهم من بعض.

    4-وفى تأمل للقديس اغسطينوس فى المزمور الثامن عشر والأية 28 التى تقول:
    " إنك أنت تضئ سراجى. إلهى يضئ ظلمتى " (مـز 28:18)، قال: يفيض قلب المرتل بالشكر والثقة، معترفاً بأن الله يضئ سراجه.. بمعنـى أن الله يهبه الحياة الحقة إذ لا إنفصال بين الإستنارة والحياة. فعندمـا تعرض داود فى أواخر أيامه للقتل أشار عليه رجـاله ألا يعود يخـرج معهم إلى الحرب " حتى لا ينطفئ سراج إسرائيل " (2 صم 17:21).
    أدرك المرتل انه ليس إلا سراجاً لا يستطيع أن يضئ بذاتـه إنمـا يحتاج إلى زيت النعمة الإلهية.. يحتاج إلى السيد المسيح، نور العـالم، أن يعلن ذاته فيه نوراً يبدد كل ظلمة قاتلة منعماً عليه بحيوية جديـدة، وكأنه مع كل ظلمة ألام يصرخ إلى مخلصه لتفسح له الآلام الطريـق لبهجة متجددة وتذوق جديد لحياة الإتحاد مع الله تحثه على ممارسـة أعمال صالحة أكثر.
    ويضيف القديس أغسطينوس ويقول :
    فى المقطع الاول "لأنك تنير سراجى".
    ضياؤنا لا يصدر عن أنفسنا بل أنت يارب الذى تنير سراجـى.
    وفى المقطع الثانى "إلهى يضئ ظلمتى".
    إننا فى ظلمة الخطية ولكن.. آه يارب أنت تضئ ظلمتى.
    وهنا يناجى القديس أغسطينوس السيد المسيح، النورالحقيقـى، ويقول:

    + (أيها النورالحقيقى الذى تمتع به طوبيا عند تعليمه إبنه مـع أنه كان أعمى!).
    + (أيها النورالحقيقى الذى جعل اسحق- وهو فاقد البصـر- يعلن لأبنه عن مستقبله).
    + (أيها النور الحقيقى غير المنظور، يا من ترى أعماق القلـب البشرى).
    + (أيها النور الحقيقى الذى أنار عقل يعقوب فكشف لأولاده عن الأمور المختلفة).
    + (أيها النور الحقيقى الذى قلت "ليكن نور" فكان نور.. قل هـذه العبارة الآن أيضاً حتى تستنير عيناى بالنور الحقيقى وأمـيزه، عن غيره من النور).
    نعم.. خارج ضـياءك تهرب منى الحقيقة ويقترب الخطـأ لـى، يملأنى الزهو وتهرب منى الحقيقة.
    5-قال القديس يوحنا سابا "الشيخ الروحانى":
    + (احمل نير ربك فى قلبك وعجب عظمتـه دائمـاً فـى عقلك فيسكب فيك نور ربك الوهج الذى يضىء قلبك).
    + (مصباحاً واحداً أنظره وبنوره أستضىء، والآن أنا فى ذهـول.. أبتهج روحياً إذ فى داخلى ينبوع الحياة ذاك الذى هـو غايـة العلم غيرالمحسوس).

    6-وفى المزمور27 عدد يقول: "الرب نورى وخلاصى ممن اخاف".. يقول القديس يوحنا ذهبى الفم :
    إن الكتاب المقدس يقدم لنا الرب بألقاب كثيرة ليشبع كل إحتياجاتنا هو نورنا وخلاصنا وحصننا كما جاء فى المزمور، وهو الخبز النازل من السماء، والباب، والطريق والحق والحياة.. الخ.
    لا يدعو داود الله فى كل مرة بنفس الإسم أو بذات اللقـب.. لكنـه أثناء حربه وعند نصرته يقول: " أحبك يارب ياقوتى.. الرب ترسى "، وحينما يخلصه الله من محنة أو ظلمة تحيط به يقـول: " الرب نورى وخلاصى ".
    يدعوه حسب الحال الذى هو عليه فى ذلك الوقت.. تـارة يدعـوه خلال محبته الحانية وأخرى خلال عدله وتارة قضائـه البار.
    7- قال القديس كيرلس الكبير:
    لكى نقترب من النور الحقيقى، أعنى المسيح، نسبحه فى المزمـور قائلين "أنر عينى لئلا أنام نوم الموت" (مز 13 :3).. فإنه مـوت حقيقـى موت النفس لا الجسد حين نسقط عن إستقامة التعاليم الصادقة ونختـار الباطل عوض الحق، لذلك يلزم أن تكون أحقاؤنا ممنطقـة وسـرجنا موقدة كما قيل لنا هذا (لو35:12).
    بهذه الإستنارة لا يبقى للظلام موضعا فى النفس ولا فى الجسد أو فى الفكر أو القلب بل يكون كل ما فى داخلنا مستنيراً بالرب.

    8-قال القديس باسيليوس الكبير فى تفسيره للمزمور36 عدد 9: "لأن ينبوع الحياة عندك وبنورك نعاين النور ":
    يتحدث هذا المزمور عن الثالوث القدوس، لأن ينبوع الحياة عنـدك: الإبن هو ينبوع الحياة الذى عند الآب وواحد معه.
    بنورك نعاين النور : الروح القدس هو نور الآب ( بنورك ) الذى بـه نعاين الآب والإبن ( النور ).. الروح القدس هو واهب الإستنارة.
    ويكمل القديس باسيليوس ويقول: لا يستطيع أحد أن ينير نفسه فـالنور كله يصدر من السماء، من " روح الحق الذى من عند الآب ينبثق " (يـو 15 :26).. به نرى الإبن الكلمة كما نرى الآب، بل به نـرى حقيقـة أنفسنا إذ ينير بصيرتنا فنكشف ضعفنا ونشعر بحاجتنا إلى الخلاص. به يضئ لنا " إنارة انجيل مجد المسيح.. لأن الله الذى قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذى أشرق فى قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله فى وجـه يسوع المسيح " (2 كو 4:4-6).
    ويضيف أيضاً فيقول: كما هو مكتوب " بنورك نعاين النور " أى بإسـتنارة الروح القـدس " النور الحقيقى الذى يضىء لكل انسان آت إلى العالم ".. فيظهر مجد الإبن الوحيد ويهب معرفة الله للعابدين الحقيقيين.
    9-قال القديس امبروسيوس:
    فى إبنك الذى هو النور نعاين نور الروح القدس وذلك كما أظـهر لنا الرب نفسه قائلاً: "اقبلوا الروح القدس" (يو 20: 22)، وفى موضع أخر قيل " قوة كانت تخرج منه " (لو 6: 19).

    لكن من يقدر أن يشك فى أن الآب هو نور عندما نقرأ عن إبنه أنـه بهاء النور الأبدى؟ لأنه لمن يكون الإبن بهاء إلا للأب؟! الـذى هـو دائماً مع الآب ودائماً ينير لا ببهاء مخالف بل بذات التألق.
    10-وقال الأب مارتيروس:
    بدون نورالكتاب المقدس نعجز عـن رؤيـة الله " الذى هو النور " (1يو 1: 5) وعن إدراك عدله المملوء نوراً.
    11-القديس اكليمنضس الإسكندرى :
    (له تأمل رائع فى الإصحاح الستون من سفر أشعياء الذى فيه يتكلـم عن المدينة المنيرة التى فيها يقدم لنا أشعياء النبى صـورة رائعـة لكنيسة العهد الجديد كمدينة الرب، صهيون المنيرة، أيقونة السماء).
    يقول أشعياء النبى عن هذه المدينة : "قومى استنيرى لأنـه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك. لأنـه ها هى الظلمة تغطى الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يـرى" (أش 2:60).
    وقال أيضاً: ( حينما عاد اليهود من السبى حسبوا أنفسهم كمن قلم من الموت، وتمتعوا بنور الحياة والحرية بعد سبعين عاماً من المذلة كما فى ظلمة القبر ).
    أما كنيسة العهد الجديد فقد تمتعت بما هو أعظم.. إتحادها بـالنور الحقيقى كعريس أبدى يقيم منها عروساً تحمل نوره وبهاءه ومجـده..

    وكما قال الرب عن نفسه "أنا هو نور العالم" (يو 8 : 12) ودعا تلاميـذه أيضاً نور العالم (مت 14:5). إذ يحملونه فيهم.
    ويتساءل القديس اكليمنضس " ما هو سر استنارة الكنيسة؟ " ويجيـب: (إنها قيامة الرب التى قدمت لنا الحياة الجديدة التى لن يغلبها الموت ولا تقدر الظلمة أن تقتنصها أو القبر أن يحطمها).
    لذلك يقول بولس الرسـول: " استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح " (أف 14:5).
    لذلك لما كان العماد هو تمتع بقيامة المسيح لذا دعـى هـذا السـر " استنارة ". إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نتبنى، وإذ نتبنى نكمل.
    12- وفى نفس الموضوع قال القديس إغريغوريوس النزينزى :
    + (الإستنارة، وهى المعمودية، هى معينة الضعفـاء، مسـاهمة النور، إنتقاض الظلمة).
    + (الإستنارة مركب يسير تجاه الله، مسايرة المسـيح، أسـاس الدين، تمام العقل).
    + (الإستنارة مفتاح الملكوت واستعادة الحياة).
    13- ونختم بعبارة للقديس ماريعقوب السروجى .. قال :
    (المعمودية هى إبنه النهار.. فتحت أبوابها فـهرب الليـل الـذى دخلت إليه الخليقة كلها).

    من تأملات الآباء

    فى إنجيـل هذا اليوم المبارك قال ربنـا يسـوع المسـيح: " أنا هو الطريق والحق والحياة. لا أحد يأتى إلى الآب إلا بى " (يو6:14).
    1-الطريق:
    قدم ربنا يسوع المسيح نفسه بكونه الطريق.. به ندخل الذى إلى الحيـاة الملوكية السماوية، وخارجاً عنه لا نجد إلا الفساد والموت.
    والذى يحيا مع المسيح يعيش فى طريق الأبرار.. والذى يحيا مـع الشيطان يعيش فى طريق الأشرار.
    قال القديس جيروم:
    ( إن كان المسيح هو طريق الأبرار فالشيطان هو طريق الأشرار ).
    بمعنى آخر ما يميز المؤمنين هو إتحادهم بكلمة الله أى بالسيد المسيح.
    الطريق ليس سلوكيات فقط، إنما هو دخول إلى العضوية فى جسـد المسيح لنحيا بروح الرب.

    وقال العلامة أوريجانوس:
    (السيد المسيح يقودنى إلى ذاته بكونه "الطريق".. يجتذبنى إليـه بحبال محبته الإلهية ويهبنى شركة طبيعته: القداسة والنقاوة والحـب و الإتضاع.. الخ).
    + مسيحنا هو الطريق الآمن الذى يحملنا بروحـه القـدوس إلـى حضن الآب دون أن يصيبنا ضرر أو نعتاز إلى شئ، إنما ننمو فى النعمة والحكمة.
    + النمو فى النعمة يجده الساعون نحو خلاصهم فتتحقق رغبتـهم خلال فهمهم للحق الذى فى الكلمة الإلهى وسلوكـهم فـى الـبر الحقيقى. هذا يقودنا إلى إدراك كيف يكون المسيح هو الطريق.
    + وفى هذا الطريق لا نأخذ معنا زاداً ولا مزوداً ولا ثوباً ولا نحمـل عصا ولا تكون لنا أحذية فى أرجلنـا (مـت10:10).. فـإن الطريق نفسه مشبع لكل إحتياجات رحلتنا.. مـن يسـير فيـه لا يعتاز لشىء.. من يسهر فيه يلتحف بثوب يليق بدعوة العرس.
    وفى هذا الطريق لا يجد الإنسان ما يزعجـه، إذ يقـول سـليمان الحكيم إنه لا يجد " طريقاً حية على صخر " (أم 19:30)، وأنا أضيف أنـه لا يجد طريقاً لأى حيوان مفترس لهذا فلا حاجة إلى عصا ما دامت لا توجد أثار خليقة معاديـة.
    + وبسبب صلابته يدعى الطريق " صخرة ".. حتـى لا يمكـن لأى كائن ضار إن يلحق به.

    + إنه الطريق الصالح الذى يقـود الإنسـان الصـالح إلـى الآب الصالح، يقود الإنسان الذى من كـنز قلبـه الصـالح يخـرج الصالحات، يقود العبد الأمين الصالح.
    حقاً إن هذا الطريق ضيق إذ لا يقدر كثيرون أن يحتملوا السير فيـه لأنهم محبون لأجسادهم.
    ويرى القديس ايريناؤس أن مسيحنا القدوس هـو الطريـق الـذى يقوم بتقديس نفوسنا.. إذ يقول: " ففى كل الكتـاب المقدس تظهر القداسة أساساً للخلاص ".
    ويقول أيضاً: من يحلم أنه قادر على الدخول إلى السـماء دون طهارة القلب وبر الحياة وقداسة الجسد يموت فى هذا الوهم ليسـتيقظ فيجد نفسه فى خزى وعار أبدى.
    وفى تأمل لعبارة أشعياء النبى " تكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريق المقدسة " (أش 8:35)، يقول لنا القمص بيشوى كامل المتنيح: على مدار السنة القبطية تقدم لنا الكنيسة المقدسـة " طريقا مقدساً " إلـى أحضان الآب السماوى وذلك من خلال " دورة الحياة الكنسية " بما فيـها من مناسبات وأصوام وقراءات وطقوس.
    فالحياة الكنسية هى رحلتنا إلى السماء، كما نصلـى فـى صـلاة الساعة الثالثة: " حينما نقف فى هيكلك المقدس نحسب كالقيام فى السماء ".
    وكما يقول القديس يوحنا ذهبى الفم :
    (حينما ترفع ستر الهيكل فثق أن السماء قد انفتحت أبوابها).

    لهذا فنحن فـى الكنيسة نعيش فى رحلة هى فى الواقع عربون حياتنا السمائية وتؤدى إلى السماء عينها.
    2-والحق:
    قال السيد المسيح " أنا هو الطريق والحق والحياة ".
    الحق لا يتجزأ، والحق هو الله. فالحقانى والحق وروح الحق هـم واحد.. لا يمكن أن نفصل الحق عن مصدره أى عن الحقانى. الحـق مولود من الآب، وروح الحق منبثق من الآب.
    والوالد ليس هو المولود.. والباثق ليس هـو المنبثـق.. والمنبثـق والمولود ليس هو الباثق، ولكن الوالد الباثق والمولود والمنبثـق هـم واحد.. مثلما نقول أن النور والشعاع الصادر عنه هو نور واحد.
    إن الروح القدس هو روح الحق لأنه هو روح الله.. وهو الذى يلهم الحق ويرشد إلى الحق، مثلما قال السيد المسيح عن الـروح القـدس: " وأما متى جاء روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق " (يو 13:16).
    من اقوال القديس كيرلس الأورشليمى :
    (السيد المسيح هو الحق ذاته، وهو إله حق من إله حق لأنه هو والآب واحد.. فهو إبن بالحق، إنه إبن بالطبيعة بلا بداية، لـم يـأت من حالة العبودية إلى حالة التبنى- أى أنتقل إلى حالة أعظم- بـل هو إبن أبدى مولود بنسب لا يفحص ولا يدرك) .
    هو مولود من البدء، إبن الآب. هو فوق كل بداية وكل العصـور.. إبن الآب مساوياً للآب الذى ولده فى كل شئ، آبدى مـن آب أبـدى،

    حياة من حياة، نور من نور، حق من حق، حكمة من الحكيم، ملك من ملك، الله من الله، قوة من قوة.
    الجـهل والباطل فى عين القديس اكليمنضس الإسكندرى هما أشـر الخطايا، لهذا كان محبا للقراءة لمعرفة الحق. ويظهر إطلاعـه فـى كتاباتـه حيث اقتبس أكثر من 700 نصاً من 348 مؤلفاً وربما أكثر.
    وفى كتابه " المتفرقة " يرى القديس اكليمنضس أن الحق هوالعنصر الأساسى فى المسيحية.
    ( أما المبدأ الأول فهو الرب المتملك خلال الكتاب المقدس، الـرب الذى قاد الأنبياء والإنجيليين والرسل.. هذا الذى أخذنا منه براهيـن إيماننا، قبلنا الحق خلال الكتاب المقدس، خلال صوت الرب نفسـه، وليس خلال أراء الناس كما يفعل الهراطقة ).
    وقال القديس يوحنا ذهبى الفم:
    (من يصرخ بما هو لله بصوت الإتضاع الحقيقى والإعتراف الحق للإيمان فهو حمل، وأما من ينطق بتجاديف ضد الحق وعداوة ضد الله فهو ذئب).
    3-الحياة:
    " أنا هو الطريق والحق والحياة "، المسيح هـو الحيـاة، أى مصـدر الحياة، كما قال القديـس يوحنـا " فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس ".. ويقول أيضاً: " الذى يؤمن بالإبن له حياة أبدية " (يو 3: 36).
    هنا قال القديس كيرلس الكبير : لأن الإبن الوحيد هو بالطبيعـة الحياة " لأن فيه نحيا ونتحرك ونوجد " (أع 28:17) وهو يدخل فينـا

    بالتأكيد من خلال الإيمان ويسكن فينا بالروح القدس، لذلك قال القديس يوحنا الإنجيلى: " بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا، انه أعطانا من روحه " (1يو 13:4).
    إذن فالمسيح سيحيى أولئك الذين يؤمنون به، إذ هو نفسـه الحيـاة بالطبيعة وهو يسكن فيهم.
    وبما أنه بالإيمان تدخل الحياة بالطبيعة فينا.. كيف لا يكون صادقـا من يقول: " الذى يؤمن بلإبن له حياة أبدية "، أى أن الإبن ذاته ولا آخـر سواه هو الذى نعرفه نحن أنه هو الحياة.
    وعن عبارة "لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيى كذلك الإبن أيضا يحيى من يشاء " (يو 5 :21). قال القديس كيرلس الكبير:
    أترون أيضاً فى هذه الكلمات برهاناً ساطعاً على معادلته لـلآب لأن من يعمل بالمساواة من جـهة إقامة الموتى كيف يمكـن أن يكون أقـل؟ أو كيف يكون من طبيعة أخرى وغريباً عن الآب وهو الـذى يشـع بنفس الخصائص؟ لأن القدرة على الإحياء التى فى الآب كما هى فـى الإبن هى خاصية للجوهر الإلهى.
    لكن الآب آيضاً لا يحيى بعض الناس منفصلا ومـن ذاتـه أو أن الإبن يحيى البعض الأخر منفصلا ومنعزلاً عن الآب، إذ أن الإبن لـه الآب فى ذاته بالطبيعة والآب يفعل كل شئ بالإبن، لكـن طالمـا أن الآب لديه قوة الإحياء فى طبيعته ذاتها هكذا الإبن أيضاً ينسـب قـوة إقامة الموتى لنفسه وكأنها تخص كل منهما على حدة.

    + وللقديس كيرلس الكبير تأمل فى عبارة " الحق الحق أقول لكم أنه تأتى ساعة وهى الآن حـين يسمع الأموات صـوت إبـن الله والسامعون يحيون " (يو 5: 25) " قال فيه: كمـا يبـدو فـإن خلاصة الأمر أن الوقت سيأتى حين يسمع الأموات صوت إبـن الله الذى يقيمهم.. والمفـترض أنـها الآن أيضـاً، أى سـاعة حاضرة، إما كما حينما سمع لعازر صوت المخلص، أو بقولـه هذا يعنى بالموتى الذين لم يستدعوا بعد للإيمان وإلى نـوال الحياة الأبدية والتى ينلونها يقينا إن هم قبلوا تعليم المخلص.
    وتلك الطريقة فى إعتبار الأمر تحتفظ حقا بمظهر مقبـول شـكلياً لكنها لا تحوى دقة على الإطلاق "وإذا ما تبقى لنا نفس القدرة مـن دقة الكلمات مرة خرى فسوف ندرك الأمر بشكل أعمق، ومن هنـا نستهل القراءة: " الحق الحق أقـول لكم أنه تأتى ساعة وهى الآن حين يسمع الأموات صوت إبن الله والسامعون يحيون ".
    والمقصود بالساعة هنا أيضاً هى تلك الساعة التـى سـيحيا فيـها السامعون أولئك الذين يسمعون، وبتلك الكلمـات الإفتتاحيـة سـوف يقومون مرة أخرى ليعطوا جوابا عن حياتهم فـى العـالم، ويقـول أن الحياة الأبدية ستكون مكافأة الطاعة معلنـا أمـام الجميـع أن كلكـم ماضون للدينونة فى زمن القيامة العامة، لكن إن كان الأمر يبدو مـراًً لكم أن تعاقبوا وأن تجازوا بعقوبات لا نهاية لها علـى يـدى الديـان المخوف فلا تجعلوا زمن الطاعة يمر عبثاً بل أمسكوا به وهو حـاضر الآن واسرعوا إلى الحياة الأبدية.



    من تأملات الآباء
    فى هذا الإنجيل، يقول ربنا يسوع المسـيح: " قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فى سلام. فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ". الرب يسوع المسيح يحدثنا من خلال هذه الآية عن:
    1- السلام. 2- الضيق.
    3- غلبة العالم ( النصرة- الغلبة ).
    دعنا نبحث عما قاله الآباء عن هذه الموضوعات.
    1-السلام:
    قال القديس يوحنا ذهبى الفم:
    لقد دعى السيد المسيح " رئيس السلام " (أش 6:9) ، وإنجيله هـو " إنجيل السلام " (أف 6: 15) وملكوته " بر وفرح وسلام فى الروح " (رو 17:14).

    وأما ثمن هذا السلام فهو دمه الثمين المبذول على الصليب.
    وقال أيضا: نعم قد صار هذا هو عمل الإبـن الوحيـد، أن يوحـد المنقسمين ويصالح الغرباء.
    ويرى القديس أغسطينوس أن صنع السلام ليـس عمـلا خارجيـا يمارسه الإنسان وإنما هو طبيعة ينعم بها أولاد الله فى داخلهم، خـلال السلام الداخلى الذى يحل بين الروح والجسد بـالروح القـدس فـى المسيح يسوع فيظهر ملكوت الله داخلنا.. لذلك قال: ( يكـون كمـال السلام حيث لا توجد مقاومة، فأبناء الله صانعوا سلام لأنهم ينبغـى أن يتشبهوا بأبيهم. أنهم صانعوا سلام فى داخلهم إذ يسيطرون على حركات أرواحهم ويخضعونها للصواب أى للعقل والروح، ويقمعـون شهواتهم الجسدية تماما، وهكذا يظهر ملكـوت الله فيـهم فيكـون الإنسان هكذا.. كل ما هو سام وجليل فى الإنسان يسيطر بلا مقاومة على العناصر الأخرى الجسدانية ).
    وقال أيضا: ( ليكن السلام حبيبا لك وصديقا، واجعل قلبك مضجعـا نقياً له. ولتكن لك معه راحة مطمئنة بدون مرارة، وعنـاق عـذب، وصداقة لا تنفصم عراها ).
    وقال القديس جيروم:
    (المسيح ربنا هو السلام.. لنحفظ السلام فيحفظنـا السـلام فـى المسيح يسوع).
    وقال ايضا: السلام هو قوة المسـيحيين " سلام الله الذى يفوق كل عقل " (فى 7:4)، " وطوبى لصانعى السلام " (مـت 5: 9)، لا بإعادة

    السلام بين المتخاصمين فحسب وإنما للذين يقيمون سلاماً فى داخلـهم. فإنه إن لم يوجد سلام فى قلبى مـاذا يفيدنـى أن يكـون الآخريـن فى سلام.
    أما القديس كبريانوس فله تأمل فى عبارة السيد المسـيح: " سلاما أترك لكم. سلامى أعطيكم " (يو 27:14).. إذ يقول: لقد أعطانا هذا ميراثاً، فقد وعدنا بكل العطايا والمكافآت التى تحدث عنها خلال حفظ السلام.
    إن كنا ورثة مع المسيح فلنسكن فى سلامه. إن كنا أبناء الله، يلزمنا أن نكون صانعى سلام، إذ يليق بأبناء الله أن يكونوا صانعى سلام، ذوى قلب شفوق، بسطاء فى الكلام، متحدين فى المحبـة، مـترابطين معاً إرتباطاً وثيقاً بربط المودة الأخوية.
    وقال ايضاً: يليق بإبن السلام أن يطلب السلام ويتبعه. الذى يعـرف رباطات الحب ويحبها يلزمه أن يمنع لسانه عن شر الخصام.
    وقال القديس اغريغوريوس اسقف نزينزا :
    (لنكرم عطية السلام التى تركها لنا المسيح عند رحيله. فالسلام علـى وجه الخصوص يخص الله الذى يوحد كل الأشياء معا فى واحد).
    2-الضيق:
    "فى العالم سيكون لكم ضيق"...
    قال القديس اغسطينوس:
    +الذى يرفض أن يتحمل الضيق لا ينجيـه عـدم صـبره مـن الضيقات التى تحل به.

    + لا يوجد علاج مؤثر لشفاء الأوجاع مثل الصديق الصادق الـذى يسليك فـى ضيقاتك.
    + إن الضيقات التى تتحملها فى حياتك ها هنا هى بمثابـة عصـا تأديب من الله
    + فى الضيق لايجد المرء مجالا ليسمع.. إسمع فى وقت الرخاء.
    + ضيق الزمان يعلمك وتجارب الحياة الحاضرة تصقل مـا فيـك من شوق.
    + الضيقات وإن كثرت سبيل إلى الكمال وليست سببا للهلاك.
    + الرب يمتحن الإنسان بالضيقات لكـى يعرفه حقيقة نفسه فيلومها.
    + النار تمتحن إناء الفاخورى، والتجربة تمتحن الأبرار.
    + إذا كان الأصدقاء يفسدونك بكثرة مدائحـهم فالأعداء يصلحـون عيوبك بما يوجـهونه لك من اتهامات.
    + كيف تعرف أن الله لا يريد لـك الشـفاء والتـأديب لا يـزال مفيدا لك.
    + لا العنقود يصير خمراً ولا حبة الزيتون تصير زيتاً ما لم يمـر فوقهما حجر المعصرة.
    + إن الشهداء وسط آلامهم وعذاباتهم كـانوا يطلبـون خلاص مضطهديهم.
    + لا ترجع النفس إلى الله إلا إذا أنتزعت من العالم، ولا ينزعـها بحق إلا التعب والألم.

    القديس يوحنا ذهبى الفم والضيقات:
    عندما عانى القديس يوحنا ذهبى الفـم الآلام والإضطـهادات مـن الإمبراطورة أفدوكسيا، كتب من سجنه إلى الأسقف قرياقص قـائلاً: عندما استبعدت من المدينة لم أقلـق بـل قلـت لنفسـى: إن كـانت الإمبراطورة ترغب أن تنفينى فلتفعل ذلك، فإنه " للرب الارض وملئها ".
    وإن أرادت إغراقى فى المحيط. أفكر فى يونان.
    وإن ألقيت فى النار.. أجد الثلاثة فتية قد تحملوا ذلك فى الأتون.
    وإن وضعت أمام وحوش ضارية.. أذكر دانيال فـى جب الأسود.
    وإن أرادت رجمى.. فإن استفانوس أول الشهداء أمامى.
    وإن طلبت رأسى.. فلتفعل.. فإن المعمدان يشرق أمامى.
    عريانا خرجت من بطن أمى وعريانا أترك العالم، وبولس يذكرنى: " إن كنت بعد أرضى الناس فلست عبدا للمسيح ".
    العلامة أوريجانوس والضيقات:
    كتب العلامة أوريجانوس إلى القديسين أمبروسيوس وبرينكتيـوس، وهما تحت المحاكمة فى ظل الإضطهاد الـذى أثـاره مكسـيميانوس تراكس، قائلاً لهما: "فى أثناء محاكمتكما القائمة الآن بـالفعل أود أن تتذكرا دائمأ تلك المجازاة العظيمة التى يعدها الآب فى السـماء مـن أجل المظلومين والمزدرى بهم بسبب البر ومن أجل إبن الإنسان.
    إفرحا وابتهجا كما فرح الرسـل وابتـهجوا " لأنهم حسبوا أهلا أن يهانوا من أجل إسم المسيح " (أع 5: 41)، وإذا شعرتما بالحزن فاستغيثا

    بروح المسيح الذى فينا لكـى يرد روح الحـزن ويـنزع القلـق مـن قلبيكما. " لماذا أنت حزينة يا نفسى ولماذا تزعجيننى. ترجى الـرب لأنى أقدم له التسبيح " (مز 42: 5).
    إذن فلا تجزع أرواحنا، بل حتى أمام كراسى القضاء وفى مواجـهـة السيوف التى شحذت لتقطع رقابنا تظل أرواحنا محفوظة فـى سلام الله الذى يفوق كل عقل.. نستطيع أن نشعر بالطمأنينة والـهدوء عندمـا نتذكر أن الذين يفارقون الجسد يعيشون مع إله الكل (2 كو 8:5).
    عن الضيقات، قال الأب اسحق:
    الله لا يريد النفس المتشامخة التى فى تهور لا تحتاط فى التجربـة أو الضيقات، إنما يريد النفس المتضعة فيكون نصرتها بالله أكثر مجـدا وهزيمة الشيطان أكثر تأكيداً.
    + أيوب جرب لكنه لم يدخل فى تجربة، إذ لم ينطق ضد الله بـأى تجديف ولا استسلم لفم الشرير كرغبة الشرير نفسه.
    + إبراهيم جرب ويوسف جرب لكن لم يدخل أحدهما فى تجربـة لأنهما لم يستسلما ليرضيا المجرب.
    وقال الأنبا بولا اول السواح : من يهرب من الضيقة يهرب من الله.
    3-الغلبة والنصرة:
    " ثقوا أنا قد غلبت العالم "...
    قال القديس اغسطينوس:
    + انتصر على ذاتك فينهزم العالم أمامك.

    + ليت الرب ينصركم، ليس من الخارج على عدوكم وإنمـا مـن الداخل على انفسكم.
    + لا ترهب العدو الذى يأتى من الخارج فإنك إن غلبـت نفسـك ستصير غالباً للعالم.
    + فكيف تنتصر على عدو غضبان إذا لم تتمكن مـن الإنتصـار عليه متى لاطفك.
    وقال أيضاً: مع كل حركة حب وجهاد فى الرب يرفعنى بتعزياتـه الإلهية كما إلى جبل قدسه ليعلن لى بهاء مجده الداخلى، فـأعود مـن جديد لأدخل فى معركة جديدة روحية " لا ضد لحم ودم بل ضد أجناد الشر الروحية فى السموات " (أف 6: 12).
    لذلك قال داود النبى: " الذى يعلم يدى القتال فتحنى ساعدى قوسا من نحاس. ومنحتنى نصرة خلاصك. ويمينك عضدتنى " (مز 18: 34، 35).
    وقال أيضاً: يعلمنى الله أن أكون ماهراً فى القتال ضـد الشـياطين الذين يهدفون إلى إقامة حاجز يحجبنى عن ملكوت السموات.
    القديس كيرلس الاورشليمى والغلبه والنصرة:
    فى تأمل له عن قيامة المسيح قال: إفرحى يا أورشـليم.. إصنعـوا عيدا عظيما يا جميع محبى المسيح، لأنه قام.
    إفرحوا يا من نحتم من قبل حين رأيتم جسارة اليهود وشرهم، لأنـه قد قام.
    فليفرح السامعون بأخبار القيامة المبهجة.. ليتحول الحزن إلى فـرح

    والنوح إلى سرور وليمتلئ فمنا فرحا وتهليلا به، إذ قال بعـد قيامتـه " إفرحوا " (مت 9:28).
    الآن قد قام الميت الذى كـان " حرا بين الأموات " وهـو مخلـص الأموات، ذاك الذى أهين محتملا بصبر إكليل الشوك.. لقد قام متوجـاً بإكليل النصرة على الموت.
    فى مقالة عنوانها " آدم الثانى واهب النصرة ".. قال القديس سـرابيون: إن كان بولس الرسول قد أوضح بكلماته أن ربنا يسوع المسـيح " قد جرب فى كل شىء مثلنا " إلا أنه قيل عنه أنه " بلاخطية " (عب 4: 15).
    إى لم تنتقل إليه عدوى الشهوات لأنه لا يعرف إغراءات الشـهوات الجسدية التى بها نضطرب ضد إرادتنا وبغير معرفتنا.
    وقد وصف رئيس الملائكة غبريال حالة الحبل بـه قـائلاً: " الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى إبن الله " (لو 1: 35).
    وكان يلزم بحق لربنا أن يجرب بنفس التجارب التى جرب بها أدم حيـن كان فى صورة الله قبل إفسادها، والتى هى: النهم، الإفتخار، الطمع، الكبريـاء.. والتى تشبكت وأفرخت بعدها تعدى الوصية وإفساد صورة الله وشبهه.
    لقد أعطانا الرب بمثاله كيف نستطيع أن ننتصر كما إنتصـر هـو حين جرب.
    لقد لقب كلاهما بــ " أدم " " أحدهما كان الأول فى الخراب والمـوت وأما الثانى فكان الأول فى القيامة والحياة.
    بالأول صارت البشرية كلها تحت الدينونة وبالثانى تحررت البشرية.


    من تأملات الآباء
    ماذا قال الآباء عن الروح القدس؟
    أولاً: القديس أثناسيوس؟:
    أكد القديس أثناسيوس لاهوت الإبن وأنـه مساوٍ للآب فى الجوهر. قال أيضا بوضوح أن الروح القدس مساوٍ مع الآب فـى الجوهر. إذ أنه مساو مع الإبن فى الجوهر، والإبن مساو للآب فى الجوهـر.. إذن فهو مساو للآب فى الجوهر.
    ويقول أيضاً أنه يوجد ثالوث مقدس وكامل ومعترف بـه: الله الآب والإبن والروح القدس.. وهو متماثل، غير قابل للتجزئـة بطبيعتـه، ونشاطه واحد.. الآب يعمل كل شئ بالإبن فى الروح القدس.. وهكـذا ينادى بإله واحد فى الكنيسة، الذى على الكـل ( كلـى الأصل )، وبـالكل ( كلى السبب )، وفى الكل ( كلى التنفيذ ). الكل المطلق.. أى الله فى ذاته الكلية المطلقة:

    1- كآب : بداية وينبوع. 2- به الكل : بالإبن
    3- وفى الكل : بالروح القدس.
    وعن علاقـة الروح القدس الجوهرية بالآب والإبن فى الثالوث قــال القديس أثناسيوس فى رسائله إلى الأسقف سرابيون
    + الثالوث إله واحد وقد أسس الرب الكنيسة عليه.. ( الثالوث كله إله واحد ولا موضع فيه لشىء غريب عن الله ) (سرابيون1 :17).
    + هذا هو إيمان الكنيسة الجامعة لأن الرب أسسها فى الثالوث وأصلـها فيه عندما قال لتلاميذه " إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بإسم الأب والإبن والروح القدس " (مت 19:28) (سرابيون 6:3).
    ويؤكد القديس أثناسـيوس أن الـروح القـدس منبثـق مـن الآب ومرسل من الإبن: ( لكى نعتقد أن هناك قداسة واحدة مسـتمدة مـن الآب بالإبن فى الروح القدس.. وكما أن الإبن مولود وحيد الجنـس هكذا كان الروح القدس واحد وغير متعدد، ليس واحد من كثير بـل روح وحيد ).
    وكما أن الإبن الكلمة وحيد هكذا ينبغى أن يكون ( روح الإبن )، القـوة الحية المعطية الذى به يقدس ما وينير، ينبغى أن يكون وحيدا كاملا تاما، وهو الذى قيل أنه ينبثق من الآب لأنه من الكلمة المعترف أنـه مـن الآب، وهوالذى قيل أنـه يشرق ويرسل ويعطى.
    وكما أن الإبن ارسل من الآب كذلك الإبن يرسل الـروح القـدس " وإن ذهبت أرسل لكم الباراكليت " (سرابيون 20:1).

    وقال أيضاً: الروح القدس هو الروح الحق وينبثق من الآب لكنـه يأخذ من الإبن الملك كل ما هو لـلآب، ليبيـن أن جوهـر الآخـذ والمأخوذ منه والمنبثق منه ( الروح والإبن والآب ) واحد.
    إن الآب وحده آب لأنه مبدئ، والإبن وحده إبـن لأنـه مولـود، والروح القدس وحده روح لأن انبثاقه من الآب بمفرده.
    وهنا يعطى القديس أثناسيوس مثل الشمس لتوضيح هذا الأمر ( كما أن قرص الشمس هو علة وغير مولود من أحد أما الشعاع فمعلـول ومولود من القرص والنور منبثق من القرص وحده وهو بالشـعاع مرسل ومشرق على الأرض، هكذا الله الآب وحده علة الإثنين وغير مولود وأما الإبن فإنه من الآب وحده معلول ومولود، والروح القـدس من الآب وحده معلول ومنبثق، وهو بالإبن مرسل إلى العالم ).
    ثانياً: القديس كيرلس؟:
    1- نعرف ثلاثة أقانيم ونؤمن بها: الآب الـذى لا ابتـداء لـه، والإبن الوحيد، والروح القدس المنبثق من الآب وحده.
    2- إن الروح القدس هو منبثق من الآب حسب قول المخلص، لكنه ليس بغريب عن الآب من حيث وحدة الجوهر.
    3- نؤمن بالروح القدس كما نؤمن بالآب والإبن لأنه مساو لـهما فى الجوهر وهو منبثق من ينبوع الله الآب.
    4- كما أن الإبن من الآب على جـهة الولادة هكذا الـروح القـدس من الآب على جـهة الإنبثاق.

    5- الحصول على الآب والإبن داخل النفس هو أصل وأساس شـبع النفس ومجدها وهذا مخزون للذى يحفظ وصاياه.. فمن يرغب الإشتراك فى الطبيعة الإلهية وينال الرب آب الكـون سـاكناًَ ومقيماً فى أعماق القلب بإبنه فى الروح القدس، فليطهر نفسـه تطهيراً شاملاً ويغسل وسخ الشر بكل الوسائل التى يسـتطيعها، وفوق الكل بكل أنواع الصلاح فبذلك يصير حقا هيكلاً لله.
    6- حينما يسكن مخلصنا المسيح فينا بالروح القدس فبالتأكيد سـيكون أبيه أيضاً هناك، لأن روح المسيح هو روح الآب أيضاً (رو 8: 11، غل 4: 6).. وهكذا نرى أن نفس الروح خاص بالآب والإبن.
    7- فكلمة الله الوحيد الجنس يمنح القديسـين ميـلاً إلـى طبيعتـه الخاصة وطبيعة الله الآب بإعطائهم الروح وذلك بإتحادهم بـه بالإيمان والقداسة الكاملة، وهو يغذيهم فى التقوى ويعمل فيـهم لمعرفة كل فضيلة وكل الأعمال الصالحة.
    8- الله الآب له روحه الذاتى من ذاته وفى ذاتـه الـذى بـه، أى الروح، يسكن فى القديسين ويعلن لهم أسراره، لا كأن الـروح يمارس مجرد وظيفة خدمة بل بالحرى كمن هو فيه جوهريـاًَ ومنبثق منه بغير إنفصال ولا إنقسام.. وهو يفسر ما هو خـاص بذلك الذى هو كائن فيه والذى منـه يصـدر- وهـذا هـو ما يخصه أيضاً هو نفسـه ( أى الروح )- لأن الله لـه إتحـاد بالخليقة فقط بواسطة إبنه فى الروح.
    وهذا الروح هو أيضاً خاصية الإبن الوحيد لأنه واحد معه فى الجوهر.

    ثالثاً: القديس باسيليوس الكبير:
    ( الفصل التاسع من كتاب الروح القدس ) وأول شئ نسأل عنه هنا هـو: عند سماع ألقاب الروح القدس.. من لا يسمو روحياً ومن لا يرتقـى إيمانـه إلى الطبيعة الإلهية؟!
    فالروح يدعى " روح الله " (مت 12: 28)،" وروح الحق الذى من عند الاب ينبثق " (يو 15: 26)، " والروح المستقيم " (مز 51: 10)، " وروح الريا

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 4:22 am